بأيّ حال عدت يا أكتوبر!؟

بقلم:  نبيلة بن يوسف.

يسترجع الشعب الجزائري أكتوبر من كل سنة بذكريات الاحتقان المجتمعي والانتفاضة الشعبية العارمة التي غطت التراب الوطني عام 1988م، لم تتصف بالجهوية ولا المناطقية بل كانت شاملة تعبيرا عن سنين القهر والظلم التي عاشها الشعب الجزائري بكل طبقاته بعد أن صبر 26 عاما من استقلاله عن المٌستعمر المٌدمر (ولعل رقم 26 يلعب لعبة القدر في الجزائر بين السنين والملايير).
كانت البدايات من خلال الاضطرابات والمظاهرات منذ بداية ثمانينات القرن المنصرم في مختلف ولايات الوطن التي استشاطت غضبا من جملة المشاكل والأزمات الخانقة، على رأسها البيروقراطية والفساد بشتى أشكاله، ومن أزمات السكن والبطالة، وزادتها الأسعار الملتهبة في المواد الغذائية منهكة القدرة الشرائية للمواطن، وزادت في إنهاك جهوده ووقته في سلاسل الطوابير لاقتناء الزيت والسكر والسميد وغيرهما في « أسواق الفلاح » من المواد الأساسية التي أضحت شبه مفقودة، لاسيما بعد انهيار أسعار البترول في العالم (أزمة 1986) إبان الحرب العراقية ــ الايرانية.
اضطرابات 1988م بداياتها عمالية في مصانع المنطقة الصناعية ببلدية رويبة (العاصمة) بإعلان الاضراب العام عن العمل … خروج الآلاف مؤلفة قلوبهم على الانتفاض ضد الظلم والاحتقار، وضد النهب والسلب فكانت أولى الوجهات قسمات حزب التحرير الوطني التي دمرت عن بكرة أبيها حرقا وأتلف ما فيها من وثائق وممتلكات، كانت طريقة الغاضب في إبراز الغاصب (إنهم المسؤولون في مختلف القطاعات الحكومية)، وكسرت كل اللافتات التي تعلق في الشوارع تحت شعار رنان  » من الشعب وإلى الشعب ».
وثاني وجهة كانت السطو على أسواق الفلاح ومحلات تابعة للدولة ( باطا Bata محلات بيع الأحذية) دلالة على عدم قبول سياسة التجويع والتفقير… وإن كانت أفعال غير أخلاقية وغير حضارية إلا أنها تعبير عن سخط دفين.
وكل ما ورد هو نتاج لحكومات تهاونت فتهاوت … وفي هذا الباب استذكر ما جاء في « طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد »:  » إن الحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد؛ ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والاحتساب الذي لا تَسَامٌح فيه… »، عدم خضوع الحكام وكبار القادة للمساءلة والحساب جعلهم يزدادون تجبرا في برزخ من الوهم … انكشف عنهم الغطاء وزال العماء عن عيون الشعب فلما البقاء في غبن يرافقه الجبن والخوف؟ فطعم الموت في أمرٍ صغيرٍ كطعم الموت في أمرٍ عظيمٍ.

كل أكتوبر أتى بعد أكتوبر 1988 خلال القرن المنصرم كان أسوء من غيره لاسيما إلى غاية منتصف تسعينات القرن الماضي من جراء عشرية سوداء مظلمة،
التي عرفت فيها الجزائر العلل الكبرى من سطوة العنف على الرقاب إلى كثرة الديون على البلاد، وغطرسة صندوق النقد الدولي ومن وراءه بالضغط على الحكام.

لازال أكتوبر اليوم يعرف أزمات الأمس بدرجات متفاوتة قد تفوت الماضي.
أزمة البطالة لازالت قائمة رغم منحة البطالة التي قد تتحوّل إلى محنة على الدولة وعلى المُنتفع منها، ورغم نشاط القطاع الخاص ( في حدود ضيقة) وامتصاصه للبطالين، ورغم الملايير المصروفة على مشاريع طارت في الهواء دون حساب ولارقيب.
أزمة السكن لازالت قائمة رغم البرامج السكنية من مختلف الصيغ مع اهتراء العديد منها من يوم المَسكن… دون الحديث عن حالات الضيق التي لم تعد تحتمل وعن هشاشة منازل تورثناها عن زمن الاستعمار القديم حين غدى عيش البدائي في الكهوف أحسن من حال ساكنيها.
أزمات التهاب الأسعار تحوّلت لــتلسع جيوب المواطن دون رحمة، وأصبح بعض المواطنين يقتاتون من المزابل. سَجل جانفي 2022م صعودا مفجعا لأهم المنتجات التي يعول عليها المواطن في عيشه، ناهيك عن تلك المواد التي نترقب وصولها للمحلات فرجعت بذاكرتنا الجمعية إلى حال مضى، وإذا حصلنا عليها من وراء الستار ستكون من رموز سعادتنا على أن لا نبينها للآخرين لأن صاحب المحل لا يبيعها للجميع … محاباة وفساد انتشر واتسعت رقعته وأصبحت محاربته شبه مستحيلة.

ومر علينا أصناف من أكتوبر
أكتوبر الإرهاب، أكتوبر القهر؛ أكتوبر الحراك، أكتوبر الوباء وما تلاه من البلاء… وزاده الغباء في تعفن البلاد وسخط العباد.
جال وصال الشعب في مصارع الاستعباد بين السجون والعذاب وبين الارتماء في أحضان الأمواج هروبا لعالم مجهول، وبين الانتحار والتخدير وكلهم يدور في اصطلاح الموت.

وحسن الختام فيما كٌتب في طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد؛
الاستبداد داء أشد وطأة من الوباء، أكثر هولاً من الحريق، أعظم تخريبا من السيّل، أذل للنفوس من السؤال. داء إذا نزل بقوم سمعت أرواحهم هاتف السماء ينادي القضاء القضاء، والأرض تناجي ربها بكشف البلاء… أسعد الناس هم من يتعجلون الموت فيحسدهم الأحياء ».

في انتظار أكتوبر مشرق.

About Hadjer elfanek

Check Also

تلقيح 33 ألف أجنبي من الأمراض المعدية في تمنراست

أكد رئيس مصلحة الأمراض المعدية بمستشفى تمنراست، البروفيسور إلياس أخاموخ، على عدم تسجيل أي حالة …

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *